بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 يونيو 2010

تعريب العلوم الطبية في الوطن العربي

تعريب العلوم الطبية في الوطن العربي


تنص دساتير الدول العربية على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، ومعنى ذلك أن لغة التدريس – في جميع مراحل التعليم – يجب أن تكون العربية.

وبخصوص ما يُثار من تشكيك حول مدى قدرة اللغة العربية على أن تكون وسيلةً لتدريس مختلف العلوم، نشير إلى أن علم اللغة الحديث يرى أن جميع اللغات قادرة على مسايرة التقدم الحضاري، لا فرق بين لغة وأخرى، وإنما الفرق في الوسائل المستخدمة لتحقيق ذلك. وعليه، فإن العيب ليس في اللغة، وإنما العيب في الناطقين باللغة عندما يعجزون أو يتقاعسون عن تنميتها وتطويرها.

ومن حسن حظنا أن لغتنا العربية لغة حيّة، تجمع بين الأصالة والمعاصَرة، فقد حملت مشعل الحضارة الإنسانية دون انقطاع، واليوم هي سادس لغة رسمية لمنظمة الأمم المتحدة، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية.

ويُنْسَبُ إلى أحد مؤسسي علم اللغة الحديث، وهو إدوار سابير (Edward Sapir) أنه قال: " إن اللغات الخمس التي كان لها دور رئيس في حمل الحضارة الإنسانية هي: الصينية القديمة، والسنسكريتية، والعربية، واليونانية، واللاتينية".

هذه شهادة من مفكر غير عربي يسجّل حقائق التاريخ بحياد وموضوعية. ونحن نرى أن اللغة العربية قادرة على الاستمرار في تأدية هذا الدور. ولا أَدَلَّ على ذلك من أنها – من بين اللغات المشار إليها- هي اللغة الوحيدة التي ما زالت تؤدي دورها في الحضارة الإنسانية إلى يومنا هذا.

وقد تناقلت وسائل الإعلام، في الآونة الأخيرة، تصريحاً لوزير الدولة البريطاني كريس براينت اعتبر فيه أن اللغة العربية في الوقت الراهن أهم من اللغة الفرنسية. ولا شك أنَّ هناك اهتماماً دولياً متزايداً باللغة العربية، وأهلُها لا يهتمون!

وبما أننا بصدد الحديث عن تدريس الطب باللغة العربية، نريد أن نشير إلى أن العلوم الطبية تمثل شريحة واسعة من العلوم، ومن ثم فإن تعريب علوم الطب يعتبر مدخلاً لتعريب العلوم الأخرى.

وقبل تسجيل بعض الملاحظات والاقتراحات الخاصة بالموضوع، نشير إلى أننا لاحظنا أن إحلال اللغة الأجنبية محل اللغة العربية، لم يكن لأسباب موضوعية، وإنما فرضته سياسة الاستعمار عند ما كانت الأقطار العربية ترزح تحت نيره، ولعل المستعمر كان يخطط بذلك لفترة من الاستعمار الثقافي تعقب فترة الاحتلال العسكري، وهذا ما حدث بالفعل. ففي مصر، بدأ تدريس الطب باللغة العربية مع تأسيس مدرسة الطب في أبي زعبل عام 1827، وقد انتقلت هذه المدرسة إلى القصر العيني عام 1837، وظلت تدرّس بالعربية. وبعد أن احتل الإنجليز مصر عام 1882، فرضوا تدريس الطب بالإنجليزية عام 1887، بحجة عدم وجود المراجع العربية الكافية. وفي لبنان، افتتحت في بيروت عام 1866 الكلية السورية الإنجيلية، التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية، وظل الطب يعلم فيها بالعربية، قبل أن يُحوَّل التعليم فيها إلى الإنجليزية عام 1884، بحجة عدم وجود عدد كاف من الأساتذة المتمكنين من تعليم علوم الطب باللغة العربية. والدليل على أن هذه الحجج واهية، هو أننا -في الحالة السورية- نجد أن المحتلين الفرنسيين أرادوا أن يكون التدريس باللغة الفرنسية، لكن الأساتذة السوريين أصرّوا على أن يكون التدريس باللغة العربية، وكان لهم ما أرادوا واستمر التعريب بنجاح في سورية منذ عام 1919م ، حتى يومنا هذا.

وفي هذا الإطار، نشير إلى صدور قرار في مصر سنة 1938م، بتعريب الطب، جرى تأجيله لمدة عشر سنوات لتهيئة الوسائل المادية والبشرية اللازمة لتنفيذه. وما زال هذا التأجيل –مع الأسف- ساريَ المفعول. كما صدر في العراق قرار سنة 1979 يوجب تعريب الطب، وأُلِّفت لجان لتأليف أو ترجمة الكتب الطبية المقررة.. وتم تأجيل تنفيذ القرار، ولم نجد للتعريب أثراً إلا في حالات قليلة، مثل: الطب الشرعي والصحة النفسية، وكذلك الحال في كلية طب صنعاء باليمن التي قررت تدريس الطب الشرعي والسموم وطب المجتمع باللغة العربية، ونفس الوضع في كلية الطب في الأزهر بمصر، وفي الجامعة الأردنية. وفي تونس، قام أ.د. أحمد ذياب بتدريس علم التشريح في كلية طب سفاقس باللغة العربية لمدة ثلاث سنوات (1985-1988) لكنه واجه ضغوطاً من إدارة الجامعة اضطرته إلى ترك التعليم. وقد ألف معجماً طبّياً.

وفي ليبيا توجد بعض الكليات تُدَرَّس فيها المواد باللغة العربية، مثل: كلية طب سبها، وكلية الطب بجامعة التحدي بسرْت. وفي السودان، نجد تجربة ناجحة بدأت بتدريس مواد التشريح ووظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية باللغة العربية في كلّيتي الطب بجامعتي الشرق ووادي النيل، بالاتفاق مع جامعة أم درمان الإسلامية. وبعد اتخاذ قرار سياسي سنة 1990 بتعريب التعليم العالي، فإن السودان مُرَشَّح للالتحاق قريباً بسورية التي يتم فيها التعليم باللغة العربية، في جميع المستويات، منذ سنة: 1919، كما أسلفنا.

ونستسمح القارئ الكريم، إذا لاحظ في هذه المعلومات شيئاً من عدم الدقة لأننا لم نرجع فيها إلى دراسات وإحصاءات رسمية حديثة، وإنما أخذناها ممّا يروج من معلومات بين المشاركين في المؤتمرات والندوات التي ينظمها مكتب تنسيق التعريب. وقد أردنا من خلالها إعطاء فكرة عامة عن واقع تعريب الطب في الأقطار العربية، والأسباب التاريخية التي أدّت إلى هذا الواقع المرّ.

وفي إطار حديثنا عن تجارب التعريب، الناجحة والمتعثِّرة وعن القرارات والتوصيات المتعلقة بالموضوع، نشير إلى أن المؤتمر الطبي العربي الرابع والعشرين الذي عُقد بالقاهرة عام 1988م أصدر قرارا بتعريب التعليم الطبي، ولم ينفذ القرار، حتى الآن.

ودأبت مؤتمرات التعريب، التي تعقدها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وجهازُها المتخصص مكتب تنسيق التعريب، على إصدار توصيات بهذا الشأن، ولم نجد صدى يذكر لهذه التوصيات، مع أن هذه المؤتمرات تُعقَد على مُستوى وزاريّ ويشارك فيها وزراء التربية والتعليم في الوطن العربي أو من ينوب عنهم. كما يشارك فيها رؤساء مجامع اللغة العربية وممثلون عن الجامعات والمؤسسات العربية المتخصصة، المعنية والمهتمة.

وقد عُقِد المؤتمر الأول بالرباط سنة 1961، وعُقِد المؤتمر الحادي عشر (الأخير) بعمّان (الأردن) سنة 2008م.

ولا نريد الاسترسال في الحديث عن جميع تجارب الدول العربية المتعلقة بتعريب الطب، حتى لا يطول بنا الحديث ونتجاوز الحيز المعقول المخصص للموضوع. ولذلك، فإننا نكتفي بهذه النماذج التي تنمّ عن رغبة صادقة في تعريب الطب لدى بعض الأفراد والمؤسسات، ولكن الخطوات بطيئة ولا تتناسب مع الخطوات التي قطعتها شعوب أخرى في سبيل المحافظة على هويتها وتراثها ومقومات وجودها.

والآن، دعونا نتحدث قليلاً عن مُسْتَلْزَمَات تعريب الطب، وسنكتشف أن هذه المستلزمات موجودة، ومن ثم فإن تعريب التعليم الجامعي، وفي طليعته الطب والصيدلة، لا يحتاج إلاّ إلى قرار سياسي بتفعيل الدساتير والقوانين العربية، بشرط أن يكون هذا القرار مشفوعاً بإرادة صادقة نابعة من قناعة الأستاذ الجامعي بتدريس مادته باللغة العربية.

يحتاج تعريب الطب إلى مُسْتَلْزَمَات، من أهمها:

المصطلح، والكتاب، والمرجع، والأستاذ، والطالب. وبغض النظر عن ترتيب هذه المستلزمات حسب أهميتها، فإننا نرى أنها تُشَكِّل مجتمعةً أرضية لا بدّ من تهيئتها للانطلاق في عملية التعريب.

1- المصطلح: يوجد رصيد مهم من المصطلحات، في معاجم طبية صادرة بثلاث لغات (الإنجليزية والفرنسية والعربية)، علماً بأن كليات الطب في الأقطار العربية التي تُدرِّس باللغة الأجنبية، تدرّس بالإنجليزية أو الفرنسية، باستثناء الصومال التي تدرس الطب باللغة الايطالية، حسب ما لدينا من معلومات.

نذكر من هذه المعاجم:

- المعجم الطبي الموحَّد، من انجاز اتحاد الأطباء العرب، تحت إشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومجلس وزراء الصحة العرب، ورعاية منظمة الصحة العالمية.

- معجم الجامعة السورية.

- المعاجم الموحَّدة، الصادرة عن مكتب تنسيق التعريب-(الصحة وجسم الإنسان-الصيدلة-الطب البيطري –علم التشريح).

- مجموعة المصطلحات، الصادرة عن مجامع اللغة العربية، وبصفة خاصة تلك الصادرة عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

- المصطلحات، الصادرة عن الهيئة العليا للتعريب بالسودان.

- الجهود المصطلحية الفردية، على سبيل المثال: المعجم الطبي الذي أعده أ.د. أحمد ذياب الذي أشرنا إلى تجربته في تدريس علم التشريح باللغة العربية.

2- الكتاب:

- توجد الكتب والمناهج المقررة بكليات الطب في سورية، يمكن الانطلاق منها والبناء عليها.

- ينبغي الاطلاع على الكتب الأجنبية التي أشرف على ترجمتها المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

- الكتب التي أشرف على إعدادها وترجمتها مجمع اللغة العربية الأردني.

- إنجازات المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية بالكويت، الذي أشرف على ترجمة بعض الكتب الدراسية الطبية، وإصدار عدد من القواميس الطبية التخصصية.

- جهود بعض الجهات العربية المهتمة بالتعريب، مثل: معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط، والهيئة العليا للتعريب بالسودان، والجمعية المصرية لتعريب العلوم، وجمعية لسان العرب بمصر، والمنظمة العربية للترجمة في لبنان، وجمعيات الحفاظ على اللغة العربية في الإمارات (الشارقة) والجزائر، والمغرب..إلخ.

3- المرجع:

تَعْتَمِد المراجع أساساً على الكتب المؤلَّفة في العلوم الطبية، والدوريات (المجلات) الطبية المتخصصة. وفي هذا المجال، لا بد من الاطلاع على جهود المنظمات الدولية والعربية المهتمة بالتعريب، مثل: منظمة الصحة العالمية، مؤسسات صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية وما لديها من ترجمات متخصصة، الاستعانة بالأدمغة العربية المهاجرة والاستفادة من خبرتها في هذا المجال، عن طريق جذبها بالحوافز المعنوية والمادية. التعرف على المراجع الطبية المترجمة إلى اللغة العربية. التعرف على الأطالس العربية التي أشرفت على إصدارها مراكز عربية متخصصة، مثل: المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية بالكويت، والذي يصدر مجلة " تعريب الطب" التي تضم مقالات مختارة مترجمة إلى العربية وملخّصات الأبحاث العالمية المنشورة في المجلات الطبية العربية والدولية، وغيرها كثير، لا يتسع المقام لذكره، ثم إن الأستاذ يجب تأهيلُه ليكون قادراً على الاطّلاع على المراجع الدولية الأجنبية ونقل مضامينها باللغة العربية إلى طلابه، في صيغة محاضرات، أو مذكّرات أو كُتُب.

4- الأستاذ:

من خلال لقاءاتنا بأساتذة الطب، في المؤتمرات والندوات المتخصصة، وجدنا لدى معظمهم الاستعداد الكامل للتدريس باللغة العربية، ويمكن تأهيل هؤلاء الأساتذة عن طريق إقامة دورات تدريبية يشاركون فيها مع زملائهم الذين يُدَرِّسون باللغة العربية في بعض كليات الطب في سورية وغيرها من الكليات التي أشرنا إلى أنّ لها تجربةً في هذا المجال.

5- الطالب:

يعتبر الطالب أهمَّ عنصر مُستهدَف في هذه العملية، لأنه هو طبيب المستقبل، وهو الأستاذ الذي يُعَدُّ لأن يكون خير خَلَف لخير سلف، ومن ثم فلا بد –قبل وصوله إلى الجامعة- من إعداده إعداداً جيداً، يجعله متمكّنا من اللغة العربية ومن لغة أجنبية (الإنجليزية أو الفرنسية) تساعده على الاستفادة من المراجع الأجنبية. ونشدّد هنا على أهمية تعلّم اللغات الأجنبية، وفصل تعلّمها عن تدريس المواد بها. فشتّان ما بين الأمْرَيْْن.

وينبغي– بهذا الخصوص- تشكيل لجان متخصصة في كل قُطر عربي تعمل تحت مظلة إحدى مؤسسات العمل العربي المشترك، ونقترح – بصفة شخصية- أن ينطلق العمل من اللجان الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، تحت مظلة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، على أن تقوم هذه اللجان بالتنسيق مع الجهات المعنية والمهتمة في الوطن العربي، وفي مقدمتها الوزارات العربية المعنية واتحاد الأطباء العرب وعمداء كليات الطب وأساتذتها، وذلك من أجل بلورة هذه الإجراءات وتوفير الأموال والآليات اللازمة لتحقيقها. واعتماد مخطط تدريجي مدروس بعناية يجعلنا نصل إلى الهدف المنشود، وهو التعريب الشامل، دون إقصاء لأحد، ودون أن نمس بمصلحة أي مواطن، لأن الوطن يسع الجميع، على اختلاف ألسنتهم وأعراقهم، وأديانهم.

ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن فترة سنوات الخمسين من القرن الماضي (القرن العشرين)،كان الناس يُعَوِّلُونَ حينئذ على الزعامات القيادية القادرة على اتخاذ قرارات حاسمة، توصف بالتاريخية، وفي الوقت الراهن، عهد الديمقراطية وتعدد الأحزاب، يبدو أن الرّهان أصبح على الجماهير، وبصفة خاصة على الشرائح التي تؤدي دوراً محورياً في توجيه الرأي العام الذي يقوم بدوره بتوجيه صانعي القرار. وبتعبير آخر، إننا بحاجة إلى "صناعة" رأي ضاغط وموجِّه، لنصل إلى "صناعة" القرار. ولا شك أن اتخاذ قرار تعريب التعليم الجامعي في الوطن العربي – بما فيه العلوم الطبية- سيكون قراراً تاريخياً، بكل ما في الكلمة من معنى.

وفي مجال توجيه الرأي العام، فإن للإعلام دوراً لا يستهان به، لأن الإعلام –بأنواعه المختلفة- هو آية زماننا هذا، والتعبير ليس من عندنا، بل لأحمد شوقي، إذ يقول في الصحافة:

لكلّ زمان مضى آية

وآية هذا الزمان الصحف

لسان البلاد ونبض العباد

وكهف الحقوق وحرب الجنف.

ولا ندري لو شهِدَ شوقي ثورة الاتصال الحالية وتعدد الصحف الورقية والإلكترونية، ماذا عليه أن يقول!

ونختم هذا الموضوع بفقرة وردت في بحث للأستاذ/ أحمد شفيق الخطيب (دائرة المعاجم –مكتبة لبنان-بيروت)، نُشر في مجلة اللسان العربي، العدد 44 سنة 1997، وذلك عِبْرَةً لنا جميعاً.

يقول صاحب البحث: أوائل العشرينيات من هذا القرن (القرن العشرين) افتتحت الجمعية اليهودية الألمانية "معهد التخنكو" –التكنولوجية- في حَيْفَا، الذي أنشأته بأموالها وجهد خبرائها، وارتأت الجمعية جعل الألمانية لغة التدريس فيه، على اعتبار أن العبرية ليست متطورة بالقدر الذي يسمح باستعمالها في حقل العلوم والتكنولوجية، فقامت الدنيا بموجات الاحتجاج وإضراب المعلمين والتلاميذ، تلاها استقالة الكثيرين من العاملين في المدارس الألمانية، معتبرين ذلك إهانة قومية، فهدّدوا، بل وأنشأوا فعلاً، مدارس عبرية بدلا منها، فتراجعت الجمعية وتمّ للمعتزين بلغتهم الواهنة ما أرادوا"

فعلينا جميعاً أن نَعْتَبِر ونعتزّ بلغتنا، لغة القرآن الكريم، وحاشا أن تكون لغة الوحي لغة واهنة.

أ. إسلمو ولد سيدي أحمد

وحدة الدراسات المعجمية والمصطلحية

بمكتب تنسيق التعريب- بالرباط

السيرة الذاتية لسياف عربي ..!



1
أيها الناس

لقد أصبحت سلطانا عليكم

فاكسروا أصنامكم بعد ضلال ، واعبدونى...

إننى لا أتجلى دائما..

فاجلسوا فوق رصيف الصبر، حتى تبصرونى

اتركوا أطفالكم من غير خبز

واتركوا نسوانكم من غير بعل .. واتبعونى

إحمدوا الله على نعمته

فلقد أرسلنى كى أكتب التاريخ،

والتاريخ لا يكتب دونى

إننى يوسف فى الحسن

ولم يخلق الخالق شعرا ذهبيا مثل شعرى

وجبينا نبويا كجبينى

وعيونى غابة من شجر الزيتون واللوز

فصلوا دائما كى يحفظ الله عيونى

أيها الناس:

أنا مجنون ليلى

فابعثوا زوجاتكم يحملن منى..

ابعثوا أزواجكم كى يشكرونى

شرف أن تأكلوا حنطة جسمى

شرف أن تقطفوا لوزى وتينى

شرف أن تشبهونى..

فأنا حادثة ما حدثت

منذ آلاف القرون..
2

أيها الناس:

أنا الأول والأعدل،

والأجمل من بين جميع الحاكمين

وأنا بدر الدجى، وبياض الياسمين

وأنا مخترع المشنقة الأولى، وخير المرسلين..

كلما فكرت أن أعتزل السلطة، ينهانى ضميرى

من ترى يحكم بعدى هؤلاء الطيبين؟

من سيشفى بعدى الأعرج، والأبرص، والأعمى..

ومن يحيى عظام الميتين؟

من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر؟

من ترى يرسل للناس المطر؟

من ترى يجلدهم تسعين جلدة؟

من ترى يصلبهم فوق الشجر؟

من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر؟

ويموتوا كالبقر؟

كلما فكرت أن أتركهم

فاضت دموعى كغمامة..

وتوكلت علىلا الله ...

وقررت أن أركب الشعب..

من الآن.. الى يوم القيامه..

3

أيها الناس:

أنا أملككم

كما أملك خيلى .. وعبيدى

وأنا أمشى عليكم مثلما أمشى على سجاد قصرى

فاسجدوا لى فى قيامى

واسجدوا لى فى قعودى

أولم أعثر عليكم ذات يوم

بين أوراق جدودى ؟؟

حاذروا أن تقرأوا أى كتاب

فأنا أقرأ عنكم..

حاذروا أن تكتبوا أى خطاب

فأنا أكتب عنكم..

حاذروا أن تسمعوا فيروز بالسر



فإنى بنواياكم عليم



حاذروا أن تدخلوا القبر بلا إذنى


فهذا عندنا إثم عظيم



والزموا الصمت، إذا كلمتكم



فكلامى هو قرآن كريم..



4



أيها الناس:



أنا مهديكم ، فانتظرونى

ودمى ينبض فى قلب الدوالى، فاشربونى

أوقفوا كل الأناشيد التى ينشدها الأطفال

فى حب الوطن

فأنا صرت الوطنه.

إننى الواحد، والخالد ما بين جميع الكائنات

وأنا المخزون فى ذاكرة التفاح، والناى،

وزرق الأغنيات

إرفعوا فوق الميادين تصاويرى

وغطونى بغيم الكلمات

واخطبوا لى أصغر الزوجات سناً..

فأنا لست أشيخ..

جسدى ليس يشيخ..



وسجونى لا تشيخ..



وجهاز القمع فى مملكتى ليس يشيخ..



أيها الناس:



أنا الحجاج إن أنزع قناعى تعرفونى



وأنا جنكيز خان جئتكم..



بحرابى .. وكلابى.. سوجونى



لاتضيقوا - أيها الناس - ببطشى



فأنا أقتل كى لاتقتلونى....



وأنا أشنق كى لا تشنقونى..



وأنا أدفنكم فى ذلك القبر الجماعى



لكيلا تدفونى..



5



أيها الناس :



اشتروا لى صحفا تكتب عنى



إنها معروضة مثل البغايا فى الشوارع



إشتروا لى ورقا أخضر مصقولاً كأشعاب الربيع



ومدادا .. ومطابع



كل شىء يشترى فى عصرنا .. حتى الأصابع..



إشتروا فاكهة الفكر .. وخلوها أمامى



واطبخوا لى شاعرا،



واجعلوه، بين أطباق طعامى..



أنا أمى.. وعندى عقدة مما يقول الشعراء



فاشتروا لى شعراء يتغنون بحسنى..



واجعلونى نجم كل الأغلفة



فنجوم الرقص والمسرح ليسوا أبدا أجمل منى



فأنا، بالعملة الصعبة، أشرى ما أريد



أشترى ديوان بشار بن برد



وشفاه المتنبى، وأناشيد لبيد..



فالملايين التى فى بيت مال المسلمين



هى ميراث قديم لأبى



فخذوا من ذهبى



واكتبوا فى أمهات الكتب



أن عصرى عصر هارون الرشيد...



6



يا جماهير بلادى:



ياجماهير العشوب العربية



إننى روح نقى جاء كى يغسلكم من غبار الجاهلية



سجلوا صوتى على أشرطة



إن صوتى أخضر الايقاع كالنافورة الأندلسية



صورونى باسما مثل الجوكندا



ووديعا مثل وجه المدلية



صورونى...



وأنا أفترس الشعر بأسنانى..



وأمتص دماء الأبجدية



صورونى



بوقارى وجلالى،



وعصاى العسكرية



صورونى..



عندما أصطاد وعلا أو غزالا



صورونى..



عندما أحملكم فوق أكتافى لدار الأبدية



يا جماهير العشوب العربية...



7



أيها الناس:



أنا المسؤول عن أحلامكم إذ تحلمون..



وأنا المسؤول عن كل رغيف تأكلون



وعن العشر الذى - من خلف ظهرى - تقرأون



فجهاز الأمن فى قصرى يوافينى



بأخبار العصافير .. وأخبار السنابل



ويوافينى بما يحدث فى بطن الحوامل



أيها الناس: أنا سجانكم



وأنا مسجونكم.. فلتعذرونى



إننى المنفى فى داخل قصرى



لا أرى شمسا، ولا نجما، ولا زهرة دفلى



منذ أن جئت الى السلطة طفلا



ورجال السيرك يلتفون حولى



واحد ينفخ ناياً..



واحد يضرب طبلا



واحد يمسح جوخاً .. واحد يمسح نعلا..



منذ أن جئت الى السلطة طفلا..



لم يقل لى مستشار القصر (كلا)



لم يقل لى وزرائى أبدا لفظة (كلا)



لم يقل لى سفرائى أبدا فى الوجه (كلا)



لم تقل إحدى نسائى فى سرير الحب (كلا)



إنهم قد علمونى أن أرى نفسى إلها



وأرى الشعب من الشرفة رملا..



فاعذرونى إن تحولت لهولاكو جديد



أنا لم أقتل لوجه القتل يوما..



إنما أقتلكم .. كى أتسلى..